الأحد، 16 مارس 2014

"الكونغ فو".. خطوة على طريق الإعداد

{ولَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ولَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِين} (التوبة: 46).
{وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ} (الأنفال: 60).
لم أنقطع يوميًّا عن ترديد تلك الآيات على مدار سنوات التدريب الطويلة، منذ أن بدأت ممارسة "الكونغ فو" عام 1990، وعلى مدار تلك السنوات أُحدِّث نفسي أن تدريب الكونغ فو من العُدَّة التي أُعدُّها للخروج؛ حتى لا أكون مع القاعدين، وتعلمت كيف أُحوِّل انفعالاتي وغضبي إلى ضربات وتمارين، تنعكس إيجابيًّا على بدني، وعلى مستواي الذي يزداد يومًا بعد يوم.
لم أتعارك يومًا مع أحد، ولم أستعِن بتلك الفنون التي تعلمتها لقهر أحد أو الاعتداء عليه، ولكني اكتسبت من خلالها صداقات كثيرة في الداخل والخارج، مسلمين وغير مسلمين، خاصة مَن تباريت معهم، ورغم قسوة الالتحام على البساط الذي هو عالمنا الخاص، والفائز غالبًا هو الأقوى.. فإننا خارج هذا البساط أصدقاء وعلى اتصال دائم للاطمئنان على بعضنا البعض، خاصة في تلك الأيام وأنا أتابع أخبار الحزن في كل مكان: العراق، فلسطين، أفغانستان، كشمير، الشيشان، وغيرها في كل مكان، وقد تعلمت على هذا البساط كيف أحوِّل هذا الحزن إلى قوة، وتعلمت كيف تزيدني الضربات التي تقع عليَّ قوة لا ضعفًا.
تدرب أثناء نشرة الأخبار
في بعض الأحيان أتدرب وأنا أستمع إلى نشرة الأخبار؛ حيث تتحول المشاهد التي تعرضها إلى دموع تنهمر عند البعض، وإلى انفعالات غاضبة، وكلمات يخرجها معلنًا رفضه لكل ما يراه، أما أنا فيتحول المشهد الذي أراه إلى ضربة قبضة، أو ضربة قدم إلى جهاز "السند" المعلق بغرفتي، وكأني أخبر نفسي أنني أستعد بكل ما أوتيت من قوة، وكأني أعلن لنفسي أنني قادر على تصحيح هذه الأخطاء بالكونغ فو، الذي يُولِّد داخلي المقاومة والتحدي والثبات أمام هذا الخطر القادم من كل مكان.
وكان سروري عظيمًا وأنا أحادث تليفونيًّا أخي لاعب الكونغ فو الفلسطيني هشام الطيب، وهو يخبرني بأن أول دبابة إسرائيلية تم تدميرها بجوار معبر المنطار على بعد أمتار قليلة من إحدى صالات الكونغ فو، وكأنه يخبرني بأنني أسير في الاتجاه الصحيح.
وعادت إلى ذاكرتي قصة صينية قديمة قرأتها وقت الاحتلال الإنجليزي للصين، وكيف استسلمت الصين أمام الآليات وقوة النيران، ولم يجد الفلاحون ما يفعلونه أمام تلك الأسلحة الحديثة، وهنا اقترحت فتاة بإحدى القرى فكرة مقابلة القوات الإنجليزية في كمين على الطريق في مكان ما، لا يمكن استعمال الأسلحة النارية فيه، وبالفعل حقق الفلاحون نصرًا كبيرًا على القوات الغازية، منعتهم من التقدم من خلال فكرة تلك الفتاة التي كانت لاعبة كونغ فو في تلك القرية.
وتذكرت يوم أن فُزت ببطولة العالم بهونج كونج، ورفعت هناك راية "لا إله إلا الله"، وأنا أقول للجميع متباهيًا: أنا مسلم، وتذكرت هناك أبو دجانة، وهو يختال أمام جيش الأعداء، وأحسست بأنني أحيي سُنَّة من السنن التي نفتقدها كثيرًا في هذه الأيام.
لعبة الفقراء والمظاليم
وتحول إحساسي بالكونغ فو من مجرد لعبة أستمتع بها إلى إحساس بالواجب والمسئولية، خاصة أنها تلائم ظروف مجتمعنا الإسلامي تمامًا؛ فالكونغ فو لعبة الفقراء والمظاليم، وهذا هو واقعنا (فقراء ومظاليم) رغم أن هذا حصاد أيدينا؛ فنحن لسنا أهلا للضعف بمكان، ولكن -كما يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم- أصابنا الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت.
والكونغ فو يلائم ظروفنا المعيشية؛ حيث يمكن ممارسة تمارينه في أي مكان، حتى وأنت تسير في الشارع، بمجرد تعلم الأساسيات الخاصة به.
كما أن هذه اللعبة قد وُلِدَت أساسًا من فكر مقاومة المظلوم الضعيف للقوي المستبد، ومن هنا ظهرت بعض أسلحة الووشو المعروفة، ومنها الننشاكو، ذلك السلاح الذي يمكن تصنيعه من الخشب؛ لمواجهة سيوف الظلم في فترة من الفترات في العصور القديمة.
وبدأت أشعر بدور المعلم أثناء التدريب تجاه الشباب الذين جاءوا ليتعلموا الكونغ فو على يدي، ليس فقط في تعليمهم فنون اللعبة وحركاتها، ولكن كذلك في جعلها أداة تقويهم على تحمل الصعاب والمسئولية تجاه الأحداث الجارية؛ لذا كانت سعادتي عظيمة عندما عرفت من أحد المتدربين معي أنه بدأ يحفظ القرآن عن طريق الكونغ فو؛ وذلك بتثبيت "ثقالات" في ساقيه وزنها 3 كجم، ثم يبدأ في التحرك حاملاً المصحف في يديه، وهكذا كل صباح. وفي نهاية الشهر أتم حفظ جزء من القرآن، وأصبحت لديه ساق قوية، قادرة على أداء حركات صعبة، وكان ذلك واضحًا من خلال التدريب.
سر القوة: التدرج والمعايشة
ومن أهم ما علمته وتعلمته من خلال الكونغ فو مبدأ التدرج والمعايشة.
والتدرج يعني هنا البدء من أسفل لأعلى؛ بمعنى: إذا أديت -على سبيل المثال- تمرين الضغط، ولم أستطع أن أؤدي أكثر من عَدَّتين اثنتين فقط؛ فهنا يأتي مبدأ التدرج ليساعدني على التكرار مرة تلو الأخرى، وهكذا من عدتين لثلاث ثم أربع، ومع الوقت نصل إلى أرقام قد لا نتخيلها.
أما المعايشة فتعني التدرب في كل وقت وفي كل مكان، طالما أن هناك فرصة لذلك، حتى قبل النوم بلحظات، وحتى أثناء السير، وحتى وأنت تُعِدّ قدح الشاي يمكنك التدرب على بعض الحركات والضربات الخفيفة، ومن خلال هذا المبدأ يمكن استثمار أوقات -قد نضيعها- في التدريب النافع، وهكذا من خلال التدرج والمعايشة يمكن الوصول إلى مستويات قد لا نتخيلها من اللياقة والقوة، وفي النهاية -وهذا هو الأهم- توظيف اللعبة في اتجاه إيجابي يخدم قضايا الأمة، ويعود بالنفع على الجميع.
من هذا المنطلق بدأت أحمل شعار "انصر الإسلام بالكونغ فو"؛ فلن يعيد للإسلام سلطانه إلا شباب قوي رياضي قادر على التحمل والعطاء، وبذل كل تضحية من أجل رفعة شأن هذه الأمة، وفي النهاية ترتفع راية الإسلام عالية، ليس فقط في بطولات الكونغ فو حول العالم، ولكن في كل مكان إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق